على الرغم من التباين الذي شهدته الاكتتابات العامة في المنطقة العربية على مدار عامين، فإن نشاطها الحالي اكتسب زخماً قوياً في الربع الأول من العام الجاري مدفوعة بأسواق الإمارات والسعودية.

إذ سجلت الاكتتابات العامة في المنطقة العربية انخفاضاً بنسبة 6 في المئة من حيث العدد وانخفاضاً بنسبة 51 في المئة من حيث العائدات في 2023 مقارنة بعام 2022.

ولكن، في 2024 دفعت أسواق الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الاكتتابات العامة نحو نشاطها الحالي في الربع الأول.

فبعد أن أعلنت 25 شركة خاصة في قطاعات مختلفة، و10 صناديق استثمارية عن عزمها طرح أسهمها للاكتتاب العام خلال العام الجاري، شهد الربع الأول فقط تسجيل 10 اكتتابات عامة في أسواق الإمارات والسعودية بإجمالي عائدات بلغ 1.2 مليار دولار، وفقاً لبيانات إرنست ويونغ.

وتتصدر السعودية عدد الاكتتابات العامة المزمع الإعلان عنها بنحو 21 اكتتاباً، تليها الإمارات باكتتاب واحد.

وخارج حدود دول مجلس التعاون الخليجي، تخطط كل من شركة راية لتكنولوجيا المعلومات في مصر وشركة القرض الشعبي الجزائري لطرح أسهمهما للاكتتاب العام.

يأتي ذلك بالتزامن مع التوترات الجيوسياسية، والظروف الاقتصادية غير الملائمة، والتي يعتبر أبرزها ارتفاع أسعار الفائدة، وتخارج المستثمرين نحو الملاذات الآمنة بعد فترة نشاط في عام 2022، جاءت على خلفية قوة الدورة الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي من حيث الناتج المحلي، وارتفاع مستويات السيولة نتيجة لارتفاع أسعار البترول.

السعودية في الصدارة

حلت السعودية في صدارة نشاط الاكتتابات العامة في المنطقة العربية، إذ أُدرجت أكبر ثلاثة اكتتابات في سوق تداول الرئيسي، كما شهدت أكبر اكتتاب في الربع الأول لشركة المطاحن الحديثة الذي جمع عائدات بنحو 724 مليون دولار، ليعتبر ثاني أكبر اكتتاب في المنطقة أيضاً.

واستحوذ هذا الاكتتاب على 27.3 في المئة من إجمالي عائدات الاكتتابات، كما حل اكتتاب مجموعة إم بي سي في المركز الثاني، بعائدات بلغت 222 مليون دولار، وجاء اكتتاب شركة الشرق الأوسط للصناعات الدوائية في المركز الثالث بعائدات 131 مليون دولار.

وتنوعت القطاعات من رعاية صحية إلى أغذية ومشروبات وإعلام وترفيه، في الاكتتابات الستة المتبقية التي أُدرجت في نمو- السوق الموازية، مع إجمالي عائدات بلغ 57 مليون دولار.

وتواصل السعودية العمل على تعزيز سوقها المالية بما يتماشى مع برنامج تطوير القطاع المالي ضمن رؤية السعودية 2030، علماً أنها تسعى لترسيخ مكانة سوق تداول كوجهة مفضلة للمصدرين والمستثمرين.

كان عدد الاكتتابات العامة الأولية التي طرحت في السعودية 35 اكتتاباً في العام الماضي، سواء في سوق تداول أو نمو، لتسيطر على أصل 46 اكتتاباً عاماً أولياً طُرحت على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي.

ومن المقرر أن تواصل السعودية الاكتتابات خلال العام الجاري، مع إعلان العديد من الشركات، مثل الشركة السعودية لحلول القوى البشرية (سماسكو)، وشركة مياهنا للبنى التحتية، وشركة بنده للتجزئة، عن خططها لإدراج أسهمها.

أكبر اكتتاب في الإمارات

حققت شركة باركن أعلى عائدات اكتتاب في المنطقة العربية خلال الربع الأول من العام الجاري بقيمة 0.4 مليار دولار، من خلال إدراج أسهمها في سوق دبي المالي، ما يمثل نسبة 37.2 في المئة من إجمالي قيمة الاكتتاب العام.

وحققت أعلى مكاسب في اليوم الأول بين إدراجات هذا الربع بنسبة 35 في المئة، علماً أن هذه الشركة تعتبر الأصل الثالث لهيئة الطرق والمواصلات الذي يُدرج بعد سالك وشركة تاكسي دبي.

ويأتي ذلك استمراراً لهيمنة الإمارات من ناحية عائدات الاكتتابات العامة الأولية خلال العام الماضي، إذ حصدت 56.3 في المئة من مجمل عائدات الاكتتابات، بجمعها 6.07 مليار دولار بإدراج 8 شركات، أبرزها طرح أدنوك للغاز الذي أعاد زخم الطروحات الخليجية، وكان الأكبر على مستوى العالم لعام 2023، وأول صفقة كبرى في المنطقة للعام، والأكبر في سوق أبوظبي على الإطلاق، إذ جمعت الشركة 2.5 مليار دولار من الاكتتاب، وبلغ إجمالي الطلب على أسهم الطرح 124 مليار دولار، ما يعني أنَّ تغطية الاكتتاب بلغت 50 مرة.

ومن المنتظر أيضاً أن تشهد الأسواق الإماراتية إدراجات مستقبلية كبيرة، منها إدراج شركة سبينيس، والذي ارتفع سهمه مع بدء التداول يوم الخميس 9 مايو أيار، 11 في المئة عند الافتتاح عند مستوى 1.7 درهم (0.46 دولار)، قبل أن يتداول في حدود 1.63 إلى 1.65 درهم.. إضافة إلى إدراج مجموعة اللولو، و الاتحاد للطيران.

هذا الزخم، دفع رامي الدكاني، الأمين العام لاتحاد أسواق المال العربية، في حديث سابق مع «CNN الاقتصادية»، إلى الإشادة بوضع الأسواق العربية جيد، فالقيمة السوقية لأسواق المال العربية زادت بنسبة 12.2 في المئة خلال عام 2023، بينما انخفضت السيولة بنسبة 13.2 في المئة مقارنة بالعام السابق عليه.

وكانت أنظار المستثمرين اتجهت إلى منطقة الخليج، باعتبارها سوقاً واعدة، خاصة بعد استبعاد روسيا من مؤشر إم إس سي آي للأسواق الناشئة عقب الحرب في أوكرانيا منذ فبراير شباط 2022، وبالتزامن مع تباطؤ نمو اقتصاد الصين.

نشاط عالمي يتجاوز حالة عدم اليقين

شهد الربع الأول من العام الجاري مستوى نشاط ملحوظ على الصعيد العالمي، إذ بلغ عدد الاكتتابات 287 اكتتاباً عاماً، جمعت 23.7 مليار دولار، بزيادة 7 في المئة من حيث القيمة على أساس سنوي، وفقاً لتقرير حديث من إرنست ويونغ للاستشارات العالمية، حول نشاط الاكتتابات العامة.

الأمر الذي يشير إلى تجاوز المشاركين في السوق حالات عدم اليقين التي تسببت فيها التقلبات الاقتصادية الأخيرة، والعام الانتخابي حول العالم وأبرزها الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية.

وكانت عدد الاكتتابات العامة الأولية العالمية بلغ 1298 اكتتاباً في 2023؛ بانخفاض 8 في المئة على أساس سنوي، ما انعكس على العائدات التي انخفضت بدورها 33 في المئة على أساس سنوي إلى 123.2 مليار دولار، مدفوعة بانخفاض كبير شهدته عدد الاكتتابات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 18 في المئة مقارنة بالعام الذي سبقه.

وعلى الرغم من نمو عدد الاكتتابات في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في 2023، 7 في المئة، فإنها لم تشفع في ارتفاع عائدات الإصدار التي سجلت انخفاضاً بنسبة 39 في المئة بنحو 31.1 مليار دولار، وفقاً لبيانات الشركة الاستشارية ذاتها.