وقف جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، قبل أسبوع أمام مجلس الشيوخ الأميركي متحدثاً عن احتمالية ارتفاع أسعار الفائدة بأعلى مما كان متوقعاً لمكافحة التضخم، دون أن يدري أن أزمة بنك « سيليكون فالي» قد تعصف بمخططاته.

ويجتمع الفيدرالي الأميركي يومَي 21 و22 مارس آذار الجاري لبحث أسعار الفائدة، في وقت انخفض فيه التضخم لأدنى مستوى منذ سبتمبر أيلول 2021، لكن أزمة انهيار بنك «سيليكون فالي» قد تُلقي بتبعاتها على القرارات المتوقعة.

وتوقع المحللون الماليون قبل بداية الأزمة لجوء الفيدرالي إلى رفع الفائدة بواقع نصف نقطة مئوية، قبل أن تتراجع حدة هذه التوقعات وتتأرجح بين رفع الفائدة بوتيرة أقل أو تثبيتها لحين امتصاص آثار الأزمة الحالية.

ووفقاً لمؤشر «سي إم إي فيد وتش» توقع 32.1 في المئة من المحللين إعلان الفيدرالي تثبيت الفائدة في اجتماعه الأسبوع المقبل، في حين يتوقع 67.9 في المئة رفع الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية.

احتمال رفع الفائدة

لكن لا يزال احتمال ارتفاع الفائدة الأميركية قائماً.

وردّت مجموعة «إس أند بي غلوبال ماركت إنتليجنس» للتحليلات الاقتصادية على أسئلة مكتوبة لـ«CNN الاقتصادية» موضحة أنه ربما تُسعر الأسواق معدل ارتفاع الفائدة بوتيرة أقل عن الأسبوع الماضي، لكن الفيدرالي الأميركي يريد أن يثبت أنه قادر على متابعة هدف التضخم، والذي يتطلب المزيد من رفع أسعار الفائدة مع الحفاظ على قوة النظام المصرفي.

وتراجع التضخم السنوي في أميركا خلال شهر فبراير شباط بمقدار 0.4 في المئة ليصل إلى 6 في المئة، مقارنة بنسبة 6.4 في المئة في يناير كانون الثاني الماضي.

ورغم تباطؤ التضخم الأميركي فإنّه لا يزال أقل بكثير من الرقم المستهدف من الفيدرالي الذي يبلغ 2 في المئة على المتوسط.

وبحسب المحاضر في علم الاقتصاد بالجامعة الأميركية في القاهرة، هاني جنينة، فإن الفيدرالي قد يرفع الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية أو يثبت سعر الفائدة.

ماذا يعني رفع الفائدة؟

يعني استمرار ارتفاع الفائدة الأميركية مزيداً من ارتفاع الدولار مقابل العملات الأخرى، حسب ما أوضح ماكس كيتنر، كبير استراتيجيي الأصول المتعددة في «إتش إس بي سي غلوبال» للأبحاث، لـ«CNN الاقتصادية».

وأضاف «إذا رأينا الفيدرالي يرفع أسعار الفائدة بأكثر من المتوقع ولم تفعل الاقتصادات الرئيسية الخطوة نفسها فسيرتفع سعر الدولار مقابل العملات الأخرى، أما إذا رأينا الفيدرالي يفعل عكس المتوقع حالياً فسيكون هذا نعمة لبقية العملات، إذ سيتراجع الدولار».

وذكرت «إس أند بي غلوبال ماركت إنتليجنس» أنه منذ بداية العام الجاري أظهرت بعض العملات مرونة أكبر مقابل الدولار، لكن في المقابل تأثرت عملات أخرى مثل الليرة التركية والرينغيت الماليزي.

وكانت السندات الأميركية إحدى الأدوات التي استفادت من الارتفاع المستمر للفائدة في أميركا على مدار العام، لكن مع أزمة انهيار بنك سيليكون فالي تحوّل منحنى عائد سندات الخزانة الأميركية إلى التراجع خلال الأسبوع الجاري.

وتتوقع «إس أند بي غلوبال ماركت إنتليجنس» أن يمر جزء كبير من التراجع إلى السندات الخاصة والرهون العقارية.

وستراقب الدول الأخرى قرار الفيدرالي عن كثب لمعرفة مصير سنداتها في مواجهة السندات الأميركية التي تعززت بالزيادة المستمرة للفائدة عليها.

وبحسب ماكس كيتنر، ستكون الفائدة الحقيقية (سعر الفائدة مخصوم منه التضخم) ضرورية في هذا الصدد، موضحاً أن بعض الدول في الأسواق الناشئة كانت سريعة في تشديد السياسة النقدية وبالتالي أصبحت الفائدة الاسمية والحقيقية لديها الآن أعلى بكثير مقارنة بأميركا، وأن دولاً ناشئة تشهد حالياً مزيداً من التقدم في معركتها مع التضخم مثل المكسيك والبرازيل.

هل سنعاني الركود؟

قبل أيام قليلة من بداية أزمة انهيار «سيليكون فالي» توقّع الرئيس التنفيذي لـ« بنك أوف أميركا»، برايان موينيهان، أن يدخل الاقتصاد الأميركي في ركود تقني بداية من الربع الثالث من عام 2023.

ويحدث الركود التقني عندما يتراجع الناتج المحلي الإجمالي لبلد ما على مدار ربعين متتاليين.

وعادة ما تتسبب أسعار الفائدة المرتفعة في حالة من الركود في النشاط الاقتصادي، إذ يتوقف المستثمرون عن الاقتراض لضخ استثمارات جديدة في مشروعاتهم، بينما يتوقف الأفراد عن الإنفاق لادخار أموالهم في البنوك والاستفادة من سعر الفائدة المرتفع.

وتوقع ماكس كيتنر وقوع ضرر اقتصادي إذا استمر الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الرئيسية الأخرى مثل البنك المركزي الأوروبي في رفع الفائدة على ما تم تسعيره من قبل، موضحاً أن المخاوف من حدوث ركود كامل وشيك ستتفاقم إذا رفعت البنوك المركزية الكبرى أسعار الفائدة بطريقة مفاجئة.

لكن استمرار رفع الفائدة بمعدلات قوية سيكون ضاراً للقطاع المصرفي، على الأقل في الوقت الحالي، وفق ما قاله هاني جنينة، مضيفاً أن هذا الأمر سيدر العوائد على السندات، وتحديداً سندات التمويل العقاري التي إذا اقتربنا منها فسيدخل العالم في أزمة مالية مثلما حدث عام 2008.

ويعاود جيروم باول الحديث مرة أخرى عن أسعار الفائدة خلال اجتماعه برفاقه في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع المقبل، لكن هذه المرة قد يغيّر مخططاته لأسعار الفائدة في ظل أزمة طارئة قد تعصف بالقطاع المصرفي في أميركا والعالم.